بمناسبة أسبوع وحدة الحوزات العلمیة و الجامعات نقدم إلیکم حلقة من حلقات دروس الأستادة طاهائی (رحمةاللهعلیها) «لجنة تدوین آثار الأستادة طاهائی العلمیة»
التعریب من: مائدة رضائی
یمکن أن تکون الحوزات العلمیة و الجامعات مرکزین لجمیع تطورات الوطن کما یمکن أن یکونا مرکزین لجمیع إنحرافات الوطن و تدهوراته فإن کانت الجامعات إسلامیة فیتخرج منها المفکرون الملتزمون و بتعبیر آخر إن کان هناک الإهتمام بتهذيب الطلاب و الباحثین و تربیتهم بالإلتزامات الدینیة و الاخلاقیة فباستطاعتهم أن یسعدوا الوطن و أیضاً ان کان الحوزویین مهذبین و ملتزمین بالدیانة فبإمکانهم أن ینجوا الوطن من الورطات و التدهورات.
إنَّ العلم وحده لا طائل له ان لم يكن ضارة. (محاضرة الإمام الخمینی فی محضر طلاب الحوزات العلمیة و الجامعین، 7م/ 1359 ش)
فلهذا، إن دین الاسلام قد عرّف الایمان و العلم کمقیاس للأفضلیة و الفضائل و خطّ علی جمیع التوهمات البشریة، عند ظهوره، یقول القرآن الکریم: « یرفع الله الذین ءامنوا منکم و الذین أوتوا العلم درجات و الله بما تعملون خبیر» (مجادله/11)
مطابقاً لنص الایة إن معیار الأفضلیة و العلو هو العلم و الایمان و لکن من هو المؤمن؟ و ایّ ایمان یکون معیارًا؟ ربما کان أناس کثیرون یدعون الایمان ولکن للمؤمنین خصائص ذکرت منها فی هذه الایة: «إنمّا المؤمنون الذین إذا ذکر الله وجلت قلوبهم و إذا تلیت علیهم ءایاته زادتهم إیماناً و علی ربّهم یتوکلون * الذین یقیمون الصّلاة و ممّا رزقناهم ینفقون * أولئک هم المؤمنون حقاً لهم درجات عند ربّهم و مغفرة و رزق کریم» (انفال/ 4 – 2)
و قد أشار الله تعالی فی هذه الآیة إلی خمس صفات من أبرز صفات المؤمنین و الّتی تعتبر الشعور بالمسئولیة و استکمال الایمان و التوکل من جوانبها المعنویة و الروحیّة و یعتبر العلاقة مع الله و الإرتباط مع خلقه من جوانبها العملیة و الظاهریة.
أمّا الصفة الأولی و هی الشعور بالمسئولیة:
تقول الایة الشریفة «إنمّا المؤمنون الذین إذا ذکر الله وجلت قلوبهم» تعنی کلمة «الوجل» حالة الخوف و الخشیة التی تعرض علی الإنسان إثر شعوره بالمسئولیات و تصور عدم أداء حق الله الخوف الذی ینبع من إدراک عظمة علوّ مقامه و کبریائه تبارک و تعالی.
علی أساس النص القرآن توجد علاقة دائمیة بین العلم و الخوف و لذا قد جاء فی القرآن: «إنّما یخشی الله من عباده العلماء» (فاطر / 28)
و أمّا الصفة الثانیة: و هی استکمال الایمان
قد جاء فی إدامة الآية الشریفة: «و إذا تلیت علیهم ءایاته زادتهم إیماناً» إن التکامل و النمو من خصائص جمیع المخلوقات الحیّة و عدمه علامة علی عدم الحیوة. فالمؤمنون الحقیقیون لهم ایمان حیّ و يسلکون طریق الکمال و لایرتاحون طرفة عین. و من الظریف أنّ هذا التأثیر ینبعث من آیات الله. فإذا أردتم أن تختبروا أیمانکم إجعلوا تلک الایه مقیاساً و إلتفتوا إلی قلوبکم أتوجل عند استماع تلاوتها عليكم و أتعلوا أرواحکم أم لا؟
الصفة الثالثة و هی التوکل:
الخصلة الاخری للمؤمنین هی إتکالهم علی ربّهم فقط کما تقول الآیة الکریمة «و علی ربّهم یتوکّلون» و السبب هو سعة آفاق أفکارهم فتأبی عقولهم عن الإتّکال علی المخلوقات الضعیفة مهما کانت عظیمة حسب الظاهر. هؤلاء المؤمنون یستقون من نفس العین و یطلبون جمیع ما أرادوا و جمیع حاجاتهم من الله تعالی، المحیط الذی لا نهایة له فهو ملجأهم الوحید. و بتعبیر آخر یستفاد المؤمن المتوکل، من جمیع قواه الجسمیة و الروحیة التی اعطاه الله و مع أنّه یری جمیع هذه القوا من الله لکنّه لایتکّل علی نفسه و لا یعتبر نفسه ذا حق علی الله بل عالم بأنّ جمیع ما لدیه من الله تعالی.
الصفة الرابعة و هو الإتصال بالله
إنّ للمؤمنین من الجهة العملیة فی ضوء شعورهم بالمسئولیة و إدراکهم عظمة الله و أیضاً بسبب إیمانهم المتزاید و علوّ نظرهم و توکّلهم، إتصال وثیق بالله کما تشیر الآيه الکریمه إلیه: «الذین یقیمون الصّلاة». إن التعبیر بـ «إقامة الصلاة» یُشیر إلی أنهم لن یکتفوا بصلوتهم فقط بل یحاولون بإقامة الإتصال بالله دائماً و فی جمیع الأمکنة.
الصفة الخامسة و هی الإتصال بخلق الله
إن من برامج المؤمنین الحقیقیين العملیة –إضافة إلی الصلاة- الإنفاق: «و ممّا رزقناهم ینفقون» إن عبارة «ممّا رزقناهم» واسعة و تشتمل علی جمیع الثروات المادیة و المعنویة. فالمؤمنون لایبخلون فی إنفاق ما لدیهم من المال فحسب بل لایبخلون فی بذل مما لهم من جمیع المواهب الإلهیة من العلم و الذکاء و الفکر و المکانة و التأثیر فی سبیل مساعدة عباد الله.
و فی إدامة الآیة، یُبیّن الله تعالی فوز هؤلاء المؤمنین الحقیقیین و مقامهم و أجرهم الجزیل عنده و یقول: «لهم درجاتٌ عند ربّهم» و إضافة إلی هذا الأجر العظیم تشملهم المغفرة و الرحمة و العفو الالهی و یحتظون بالرزق الکریم.
- من هو العالم؟
إن الخصیصة الثانیة التی قد خصّها الله بالإنسان هی العلم. و علی إساس النصوص الدینیة لهذه الخصیصة اهمیة و ضرورة شاسعة و هذا لایخفی علی أحد. إنّ العالم هو الذی یقرأ کتاب التکوین أو الکتاب المدوّن و کلا العالمین قیّمین عندالله تعالی لأنّ کلاهما یطلبان العلم. یبحث الطالب الجامعی عن العلوم المتعلقة بعالم الکون کالسماء و الأرض، و الجغرافیا، و الجوّ، و الفضا، و الکواکب، و النباتات، و الحیوانات و جمیع ما یتعلق بالبیئة. و طالب الحوزات الدینیة یتدبّر فی القرآن الکریم و يسقی من إناء عسل احادیث المعصومین –علیهمالسّلام- و یجعل سنة أئمة الدین نصب عینیه و یقدّم حلاوة معارف الوحی إلی الناس. فشهر عسل طلاب الحوزات الدینیة هو السیر فی القرآن و الأحادیث و طریقة المعصومین(علیهمالسّلام) و شهر عسل طلاب الجامعات هو بحثهم فی کتاب التکوین و کسب العلم منه و مجمع کلا الصنفین من الطلبه هذه الآیة الکریمة: «إنّ فی خلق السموات و الأرض و اختلاف اللیل و النهار لآیات لِاُولی الألباب» (آل عمران/190)
و قد دعا الله الناس إلی معرفة عالم الطبیعة الحسية من خلال التعقل و التفکر باظهار رموز الخلق و التکوین، ولکنّه لن یکتفی بهذا الحدّ من المعرفة بل یجعلها مقدمة لمعرفته سبحانه فعلی هذا، أعقل الناس من یطلّع علی آیات أکثر و یطلب جمیع العلوم التکوینیة و تشریعیة فی طریق الحق. فعلی أساس هذا المقصد لاینفک سلوک الطالب الجامعی و مسئولیته عن سلوک الطالب الدینی و مسئولیته بل کلاهما علی إمتداد واحد و متتامین بعضهم لبعض.
و فی النظرة القرآنیة، یری قارئ کتاب التکوین ید قدرة الله فی جمیع الأنظمة و یستحقر قدرات الآخرین العرضیة و یصرخ: «لن یستطیع أمریکا علی أیّ جریمة ضدنا» [الإمام الخمینی]
و توضحّ هذه النظره القرآنیة خطّة عمل بحوث الجامعیین و دراساتهم و تذکرهم لابدّ من هذه البحوث و الدراسات أن تصطفی فی مصفاة العقیدة و الأخلاق.
و ملخص الکلام،
إن عاملی الایمان و العلم یصلحان جمیع المجتمعات البشریة و لایجوز لِکلا الصنفین، طلاب الجامعات و طلاب العلوم الدینیة أن یستغنوا منهما. و لابدّ لهم أن یجعلوا الصفات الأخری المشترکة بینهم و هی کما یلی:
- المحافظة علی الفطرة الإنسانیة
من أهم معانی کلمة «الفطرة» الخلقة. و یستفاد من تعابیر العلماء فی مباحث معرفة الله الفطریة أنهم إتخذوا طریقین مختلفین فی هذا المحال، فاختار بعضهم الاستدلال و الطریقة العقلیة کمعنی للفطرة. و قالوا: أیّ انسان بعد استکمال عقله و إنتباهه إلی نظام العالم و إلی دلالة رموز عالم الخلقه [علی الله] یحصل علی حقیقة و هی أنّ من المستحیل أن یتولد هذا النظام البدیع و اسرار العجبیه من مبدأ غیر ذی عقل و شعور:
ولکن الحق، أن للفطرة معنیً آخر یبدوا أصح من ذاک فی بحثنا هذا و هو أن یحصل الإنسان علی الحقائق بدون أیَّ حاجة إلی الإستدلال و یریها بوضوح و یقبلها، کما حین یری وردة جمیلة و طیبة الرائحة فیقّر بجمالها و لا یری حاجة إلی الإستدلال فی إدراکه هذا و یقول: جمال الوردة و طیب ریحها من البدیهی و لا حاجة إلی دلیل لإثبات جمالها و نفحاتها، فمعرفة الله الفطریة من هذا القبیل أیضاً، یقول القرآن الحکیم: «فأقم وجهک للدّین حنیفاً فطرت الله التی فطر الناس علیها لا تبدیل لخلق الله ذلک الدّین القیّم ولکنَّ أکثر الناس لا یعلمون» (روم/30)
خلق الله الناس علی فطرة حبّه و معرفته فجمیع الناس بالأخص طبقه طلاب العلوم الدینیة و الجامعات یحاولون أن یساعدوا الآخرین علی تربیة هذا الکنز و نموه إضافة إلی إحیائهم الفطرة الإنسانیه الإلهیة فی أنفسهم. و هذه المساعدة إستدامة لعمل الأنبیاء (علیهمالسّلام) کما قال مولانا علی(عليه‌السلام): «و یثیروا دفائن العقول و یُروهم آیات المقدرة» (الخطبة 1). فلا بد أن تکون تربیة الناس علی أساس الوحی القرآنی لإیقاظ فطرتهم و إرائة طریقی الخیر و الشر.
یستفاد کلا الصنفین، طلبة الدین و طلاب الجامعات، فی جمیع الامور من الفروع العلمیة الجدیدة و التقنیات المعقدة و العلوم الدقیقة جدّاً فلابد لهم عند اتصالهم بالمجتمع، من إقتباس الفکر و السلوک من القرآن و کلام أهل بیت العصمة (علیهمالسّلام)، و الأخذ بسیرتهم و بالتالی یقدمّوا أعلی خدمتهم إلی الناس بدون أی مَنٍّ.
- التعهد و المسئولیة
یقیس دین الإسلام، رغم اهتمامه بالعلم و المعرفة، قیمة الإنسان بمقیاس تعهدهم و مسئولیتهم التی نشأت من مقدار علمهم و معرفتهم. ولکن یعتبر کثیر من الناس العلم مقیاساً فقط بدون ما ینظروا إلی شعور الأشخاص للمسئولیة و إلی تعهدهم الذی نشأ من العلم، علی اساس المعارف الإسلامیه إذا قام علماء المجتمع بأداء واجبهم الفردی و الاجتماعی فیتبیّن أن الحرکة فی طریق العلم قد أخذت شکلها الحقیقی. و عندما أدت العلماء واجباتهم و لعبوا دوراً فعالاً فی بثّ الفضائل و کفاح المفاسد فیعلوا مقامهم و یثمن و یستحقوا الإکرام حسب تعهدهم و شعورهم بالمسئولیة.
و فی عصرالراهن قد اغمض الغرض من طلب العلم علی الطلاب و قد اکتفوا بالحصول علی الشهادة العلمیة فحسب، ولکننا لابد أن نعلم ما هو غرضنا من الدراسة و لیس من العدل أن نستأثر إمکانیات المجتمع و تمویل الآخرین و لا نهتم بالمجتمع. و یعرب إستئثارنا هذا عن إنانیتنا جدّاً.
و یتحصل الفلاح و الفوز، کما یذکر القرآن، فی ظل الایمان و العمل الصالح و التواصی بالحق و بالصبر. یسعد مجتمع یتواصون مواطنیه بالحق و بالصبر.
عندما یضیء ضیاء الایمان فی قلب الانسان فتعکس أشعته علی حیاته و یضیء المجتمع بنور الحق و یخرجه من ظلمة الباطل حتی ینتشر الحق فی جمیع المجتمع فیتبع. و عند تجلی الحق تضمحلّ جمیع الاَمال و الأهواء الشیطانیة کالحرص، و الطمع، و الحقد، و الإنانیة و کنز الذهب و الفضه، و غیرها.
و من الواضح کان مؤسسی نظرية وحدة الحوزه و الجامعة بالعقل و رأی طاهر و الشعور بالمسئولیة قد قصدوا إثمار المجتمع الدینی فی ظلّ العلم و العمل الصالح و التواصی بالحق و بالصبر.
واجبنا الحالی
أمّا الیوم و قد مضیّ سنوات طویله من [انتصار] الثورة الاسلامیة و توحّد الصنفین الحوزه و الجامعة، یبدؤا أنَّ من اعظم واجباتنا هو الإستفادة الأکثر من هذه الوحدة، فتستطیع الحوزة أن تعرض المعلومات التی قد ادخرّت فی الکتب الملتفة و لمّا تعرض علی العالم بمساعدة الإمکانیات الجامعیة حتی یعلم العالم ما للحوزة و ما هی تعلیماتها. و فی الواقع هذه العلاقة هی تمتع متقابل للصنفین (الحوزه و الجامعه) و لیستفیدُنَّ باحثو الحوزه و الجامعة و مفکریهما بعضاً من الآخر فی المؤتمرات العلمیة الدراسیة. و علی هذا الصعید نحن نعتقد بالوحی و نزول القرآن فلابد من تبیین العلوم و المعارف علی أساس الوحی و لا نتحقق هذه المهمة إلاّ باشتراک الحوزه و الجامعة الفکری.
شماره نشریه: شمیم نرجس شماره 26